الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | الفتاوى | الجمعيات الخيرية والمؤسسات والمبادرات الشبابية هل ينطبق عليهم مصرف والعاملين عليها

اليوم : الخميس 24 ذو القعدة 1446 هـ – 22 مايو 2025م
ابحث في الموقع

الجمعيات الخيرية والمؤسسات والمبادرات الشبابية هل ينطبق عليهم مصرف والعاملين عليها

فتوى رقم: 1361
الجواب:

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:

فإغاثة المحرومين والفقراء من أجلّ القربات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ». [رواه البخاري (7/ 62) رقم 5353]

والأصل في العمل في هذا المجال -جمعيات خيرية ومؤسسات ومبادرات شبابية- أن يكون تبرعًا ابتغاء الأجر والثواب.

وقد يحتاج العاملون في هذا المجال إلى مال ونفقة وأجرة، إذا تفرغ لهذا العمل، حسب التفصيل الآتي:

أولًا- من كان غنيًا، أو موظفًا فليتعفف، فإن طلب الأجرة مقابل العمل فلا بأس أن يأخذ أجرة معلومة، ليس فيها غرر، أو غبن، ولا استغلال، إنما أجرة بالمعروف، كأن يأخذ مائة في اليوم، أو ألفًا في الشهر، كأي عامل أو موظف، أما نسبة مئوية، كخمسة في المائة (5%) مثلًا فلا يجوز.

ثانيًا- من كان يعمل في جمعية، أو مؤسسة خيرية، ويتقاضى راتبًا شهريًا، فلا يأخذ من المال الذي يجلبه من أهل الخير؛ لأن مقتضى عمله الاجتهاد في جمع الأموال لصالح الجمعية، أو المؤسسة، وهو يأخذ أجرته منها.

ويجوز للمؤسسة أن تعطي الموظف مكافأة غير أجرته -تشجيعًا له- إن رأت المصلحة في ذلك، على أن تكون المكافأة معلومة، كألف مثلًا، أو مائة مثلًا، لا أن تكون نسبة مئوية، مثل خمسة في المائة (5%) مثلًا؛ لأن النسبة المئوية فيها غرر واستغلال.

ثالثًا- المبادرون، وهم نشطاء، يتواصلون خارج البلد، يجمعون الأموال لصالح الفقراء، وهؤلاء وكلاء، مؤتمنون على هذا المال.

وهذا المبادر، إما يكون محتسبًا لوجه الله، لا يأخذ شيئًا، أو يشرط على المانح أجرة معلومة، كألف -مثلًا- على المشروع كاملًا ، فله ذلك، فإن لم يشترط، ولم يأذن له المتبرع بأخذ شيء، وكان غنيًا استعف، أو فقيرًا أخذ بالمعروف، كما قال الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6].

ومعنى المعروف، الحالة الوسطية، وبقدر أجرة المثل.

أما أن يأخذ نسبة مئوية، مثل: اثنين في المائة (2%) مثلًا، فهذا غير جائز؛ لأنه عامل يستحق الأجرة إن طلبها، ولا بد أن تكون معلومة لا مجهولة، ليس فيها غرر.

 والغرر هو: ما كان مجهول العاقبة، كمن يشترط أن يأخذ على ما يجلبه اثنين في المائة (2%) مثلًا، فهي أجرة مجهولة، ربما حصل له ألف، أو مائة، وربما أضعافها وهذا غير جائز.

وأخيرًا، يستشهد بعض العاملين في هذا المجال بقول الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60]. فيقولون نحن من العاملين عليها، وهذا فهم غير صحيح.

فمعنى 'والعاملين عليها'، من كلفه الإمام أو نائبه بجمع الزكوات، فيعطيه الإمام من بيت مال المسلمين راتبًا بحسب عمله ونوعه، فيعطي الجابي أجرة مثله من الجباة، ويعطى المحاسب كراتب المحاسبين، والمدقق كراتب المدققين، وهكذا'.

وفي الختام أقول: لا بد أن نرحم الضعفاء والفقراء من أمتنا وشعبنا، وأن يكون العدل حكمًا بيننا، فيأخذ الضعيف حقه من غير منة ولا أذى، ولا ينبغي أن نخص الأقارب أو الأصحاب على غيرهم، وأذكر بحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، قَالَ: فَسَمِعْتُ هَؤُلاَءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» [رواه البخاري (3/ 120) رقم 2409].

لذا؛ فإن من يأخذ شيئًا من مال الفقراء بحجة كونه من العاملين عليها يأخذه بالحرام، وهو مال سحت، وأكل لأموال الناس بالباطل، فعش بالقليل الحلال يبارك لك فيه، وابتعد عن الحرام والشبهات تعش سعيدًا في الدنيا والآخرة. والله أعلى وأعلم.

                 الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


أحاديث الإسراء والمعراج كما جاءت في صحيحي البخاري ومسلم

لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

النفاق الاجتماعي وأثره على الفرد والمجتمع

الاشتراك في القائمة البريدية