الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أمّا بعد:
فحج البدل: أن يوكل شخص غيره أن يحج عن ميت لم يحج في حياته، أو عن مريض لا يرجى برؤه، أو عن العاجز ببدنه.
أولا- اتفق الفقهاء على مشروعية الحج عن الميت وكذا عن المريض الذي لا يرجى برؤه على الراجح.
ثانيا- ضوابط حج البدل:
وحج البدل مشروع بضوابط منها:
1- لا يصح حج البدل عن الحي القادر عليها، قال ابن قدامة-رحمه الله-: {وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ فِي الْحَجِّ الْوَاجِبِ إجْمَاعًا} [المغني لابن قدامة ((3/ 223].
2- يجوز الحج عن الميت والمريض الذي لا يرجى برؤه، وعن العاجز، فعنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» [رواه البخاري (3/18) رقم 1853].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: {بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ: وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: صُومِي عَنْهَا، قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهَا} [رواه مسلم (2/ 805) رقم 1149].
3- يشترط في حج البدل أن يكون الوكيل قد حج عن نفسه، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ: «مَنْ شُبْرُمَةُ؟» قَالَ: أَخٌ لِي - أَوْ قَرِيبٌ لِي - قَالَ: «حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» [رواه أبو داود بسند صحيح (2/ 162) رقم 1811].
4- يجوز للرجل أن يحج عن المرأة، وكذا المرأة عن الرجل؛ لحديث المرأة الخثعمية التي أذن لها رسول صلى الله عليه وسلم أن تحج عن أبيها، قال ابن تيمية -رحمه الله-: {يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحُجَّ عَنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِنْتَهَا أَوْ غَيْرَ بِنْتِهَا، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ تَحُجَّ الْمَرْأَةُ عَنْ الرَّجُلِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاء} [مجموع الفتاوى (26/ 13)].
والأفضل لمن يحج عن غيره أن يكون ذا قرابة حتى يكون أخلص في النية والدعاء للميت.
فإن لم يوجد القريب فلا بأس أن يحج عنه البعيد حسبة من غير مقابل فإن أبى إلا بمقابل فيجوز أن يأخذ أجرة المثل من غير مبالغة ولا استغلال.
ولا ينبغي لمن يحج عن غيره أن يقصد المال، بل يكون قصده الحج والطاعة، والتصدق على الميت، وقضاء حاجة أخيه المسلم، فإن لم يكن في نفسه إلا التكسب بالمال، فلا تشرع له النيابة حينئذ، وليس له في الأخرة من نصيب قال الله تعالى: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [البقرة: 200 - 202].
ومن حج عن غيره، فله مثل أجر من حج عنه، بشرط أن تكون نيته خالصة.
وعلى من أراد التوكيل في الحج أن يختار لذلك من يرى فيه صلاحًا، وقربًا من الله، وأمانة في الدين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الشيخ عبد الباري بن محمد خلة