الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | الفتاوى | ما هو الحكم الشرعي للمسلم الذي يأكل من الثمار ويأخذ مشاطيح الخشب ويشعل بها النار للتدفئة ويكسر باب المسجد ويجلس فيه بالبسطار أكرمكم الله؟؟

اليوم : الأحد 27 ذو القعدة 1446 هـ – 25 مايو 2025م
ابحث في الموقع

ما هو الحكم الشرعي للمسلم الذي يأكل من الثمار ويأخذ مشاطيح الخشب ويشعل بها النار للتدفئة ويكسر باب المسجد ويجلس فيه بالبسطار أكرمكم الله؟؟

فتوى رقم: 122
الجواب:

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فلا يجوز أخذ مال امرئ مسلم إلا بإذنه قال الله تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) سورة النساء الآية 29 .

وعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ إِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ فَلَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ رواه مسلم

قال ابن عبد البر:[ في الحديث النهي عن أن يأخذ المسلم للمسلم شيئاً إلا بإذنه وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس فيه فنبه به على ما هو أولى منه ] فتح الباري 6/14 .

وعن أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ السَّموَاتِ وَالأَرْضَ، ..... قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ قَالَ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ.... أخرجه البخاري

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ رواه مسلم .

وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ' أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) ، وَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ' أخرجه مسلم

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:' لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، أي: من حرام ' أخرجه الترمذي وغيره. وعن خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ' إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ ـ يتصرفون ـ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ '. رواه البخاري وأحمد

 فاحذر أيها المسلم من أكل الحرام، فهو مستنقع قذر، سبيل إلى الهلاك.

وعليه فلا يجوز للمسلم أن يأكل من بستان غيره إلا بإذنه وسواء أكان المأكول مملوكا لشخص أو لمؤسسة وسواء أكان موجودا في أرض محاطة ومحرزة أم من غير إحاطة وسواء من شجر ممتد في الشارع أم في أرض لمسافرين أو لمن لا يهتمون بأرضهم كل ذلك ليس مبررا للأكل من غير إذن ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه؛ فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ.

ولا يجوز للمسلم أن يعبث في حاجات الناس وأشيائهم ويجب المحافظة على مال المسلمين أما إذا أكل من بستان بغير إذن أو عبث بأرض أو استعمل حطبا أو آذى مسلما أو تعدى عليه فإنه آثم.

وعلى المسلم أن يكون ورعا يبتعد عن الحرام بل عن الشبهات فخير الدين الورع.

وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الورع كله في حديثه الجامع فعَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ. رواه الترمذي بسند حسن

فهذا يعم الترك لما لا يعنى من الكلام والنظر والاستماع والبطش والمشي والفكر، وسائر الحركات الظاهرة والباطنة.

قال إبراهيم بن أدهم: الورع ترك كل شبهة، وترك ما لا يعنيك.

ورؤي سفيان الثوري في المنام وله جناحان يطير بهما في الجنة. فقيل له: بم نلت هذا ؟ قال: بالورع.

 ولا بد من محاسبة النفس والندم على ما فات وتقوى الله في السر والعلن.

وقال أبو عثمان الحيرى: أذنبت ذنبا ًأبكى عليه منذ أربعين سنة، وذلك أنه زارني أخ لي، فاشتريت بدانق – سدس درهم – سمكة مشوية، فلما فرغ أخذت قطعة طين من جدار جار لي حتى غسل بها يده ولم استحله، فماذا نقول نحن قطعة من الطين من جدار جاره ولم يستسمحه اعتبره جريمة فهو في بكاء منذ أربعين سنة.

وقيل: رجع ابن المبارك من مرو الى الشام بسبب قلم استعاره فلم يعده الى صاحبه، فرجع لذلك، ومن المعلوم أن هذه الأمانة يتسامح في مثلها فلو أنه تصدق به عن جاره لأجزاه لكن الورع والتقوى أبيا إلا أن يشد الرحال إلى بلد ناءٍ ليرد القلم إلى صاحبه، إنها التقوى وإنه الاستعداد ليوم القيامة.

وقال بعض الصحابة: كنا ندع سبعين باباً من الحلال مخافة أن نقع في باب من الحرام، لا بد أن يترك المسلم ليس الحرام فحسب بل وبعض الحلال لما فيه من شبهة وما ذلك إلا لمعرفتهم بالله تعالى.

وقال سفيان الثوري: ما رأيت أسهل من الورع: ما حاك في نفسك فاتركه

وعَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ جَدِّهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا الْإِثْمُ فَقَالَ إِذَا حَكَّ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ قَالَ فَمَا الْإِيمَانُ قَالَ إِذَا سَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ وَسَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ رواه أحمد بسند صحيح.

وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ قَالَ لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا. رواه البخاري

فيا أيها المسلم اترك ما فيه الشك الى الشيء الذي لا تشك فيه.  

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ أَتَدْرِي مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ قَالَ كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ رواه البخاري

فهذا أبو بكر رضي الله عنه لم يرض على نفسه أن يبقى الطعام في جوفه خوفا من أن يتكون من جسمه وينبت فإن كل لحم نبت من سحت أو حرام فالنار أولى به كما قال النبي صلى الله عليه وسلم

فيا أيها الإخوة والأخوات ما أجمل أن يتجلى المسلم بخلق الورع وأن يترك الريب والشك وما فيه غموض حتى يتبرأ لدينه وعرضه وهذه هي مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم.

وبالله التوفيق ومنه العون والتوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

                              الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


أحاديث الإسراء والمعراج كما جاءت في صحيحي البخاري ومسلم

لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

النفاق الاجتماعي وأثره على الفرد والمجتمع

الاشتراك في القائمة البريدية