الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | الدعاء سلاح المؤمن

اليوم : الأحد 27 ذو القعدة 1446 هـ – 25 مايو 2025م
ابحث في الموقع

الدعاء سلاح المؤمن


الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فيقول الله تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186] [البقرة:186]. ويقول {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] .

عندما تنزل المحن وتتوالى الكروب فلن يكون أمام المسلم إلا باب الله تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} الإجابة من الله مباشرة ولم يقل الله: فقل لهم: إني قريب. وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: {يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ، يَقولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ} . رواه البخاري

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {مَنْ لَمْ يَسْأَل اللَّه يَغْضَب عَلَيْهِ}. رواه الترمذي بسند حسن

فلابد للمسلم أن يأخذ بأسباب الدعاء وأن يكون علي منهج الله تعالي وعلى صراطه المستقيم كما قال الله تعالي: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]  .

الاستجابة لله تعالى التي تعني الانقياد التام لأمره ونهيه والتسليم لقضائه والخضوع لجنابه، وبدون ذلك ربما تتعذر الإجابة, وهنا لابد أن نلفت الانظار إلي أن أحوال الناس تغيرت، أفسدوا دينهم، أضاعوا الصلاة، وأكلوا الحرام، وانتشرت الفواحش، وتركوا الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذه تمنع من إجابة الدعاء، ولما أصاب بني إسرائيل البلاء والقحط، خرجوا مخرجا فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن أخبرهم: أنكم تخرجون إلى الصعيد بأبدان نجسة، وترفعون إليّ أكفاً قد سفكتم بها الدماء، وملأتم بها بيوتكم من الحرام، الآن حين اشتد غضبي عليكم، لن تزدادوا مني إلا بعدا'.

وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهِ عَنْهُ ، قَالَ : كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مِنَ الْأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا مُعَلَّقٍ ، وَكَانَ تَاجِرًا ، يَتْجَرُ بِمَالٍ لَهُ وَلِغَيْرِهِ ، يَضْرِبُ بِهِ فِي الْآفَاقِ ، وَكَانَ نَاسِكًا وَرِعًا ، فَخَرَجَ مَرَّةً ، فَلَقِيَهُ لِصٌّ مُقَنَّعٌ فِي السِّلَاحِ ، فَقَالَ لَهُ : ضَعْ مَا مَعَكَ فَإِنِّي قَاتِلُكَ . قَالَ : مَا تُرِيدُ إِلَى دَمِي ؟ شَأْنُكَ بِالْمَالِ . قَالَ : أَمَّا الْمَالُ فَلِي ، وَلَسْتُ أُرِيدُ إِلَّا دَمَكَ . قَالَ : أَمَّا إِذَا أَبَيْتَ ، فَذَرْنِي أُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ . قَالَ : صَلِّ مَا بَدَا لَكَ . ' فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ، فَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ فِي آخِرِ سَجْدَةٍ أَنْ قَالَ : يَا وَدُودُ ، يَا ذَا الْعَرْشِ الْمَجِيدِ ، يَا فَعَّالُ لِمَا تُرِيدُ ، أَسْأَلُكَ بِعِزِّكَ الَّذِي لَا يُرَامُ ، وَمُلْكِكَ الَّذِي لَا يُضَامُ ، وَبِنُورِكَ الَّذِي مَلَأَ أَرْكَانَ عَرْشِكَ ، أَنْ تُكْفِيَنِي شَرَّ هَذَا اللِّصِّ ، يَا مُغِيثُ أَغِثْنِي ' ثَلَاثَ مَرَّاتٍ . قَالَ : فَإِذَا بِفَارِسٍ قَدْ أَقْبَلَ بِيَدِهِ حَرْبَةٍ وَاضِعُهَا بَيْنَ أُذَنَيْ فَرَسِهِ ، فَلَمَّا بَصَرَ بِهِ اللِّصُّ أَقْبَلَ نَحْوَهُ فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : قُمْ ، فَقَالَ : مَنْ أَنْتَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، لَقَدْ أَغَاثَنِي اللَّهُ بِكَ الْيَوْمَ ؟ قَالَ : أَنَا مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ ، دَعَوْتَ اللَّهَ بِدُعَائِكَ الْأَوَّلِ ، فَسَمِعْتُ لِأَبْوَابِ السَّمَاءِ قَعْقَعَةً ، ثُمَّ دَعَوْتَ بِدُعَائِكَ الثَّانِي ، فَسَمِعْتُ لِأَهْلِ السَّمَاءِ ضَجَّةً ، ثُمَّ دَعَوْتَ بِدُعَائِكَ الثَّالِثِ ، فَقِيلَ لِي : دُعَاءُ مَكْرُوبٍ ، فَسَأَلْتُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُولِيَنِي قَتْلَهُ . قَالَ أَنَسٌ : ' فَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ تَوَضَّأَ ، وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ، وَدَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ ، اسْتُجِيبَ لَهُ ، مَكْرُوبٌ كَانَ ، أَوْ غَيْرُ مَكْرُوبٍ ' .رواه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة.

وهكذا أيها الإخوة فإن الله يغيث عباده ويحفظ الإنسان وماله من العدو ومن الشيطان ومن كل ظالم.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ وَلَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ»، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] قَالَ: «وَذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ، يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ» رواه الترمذي بسند حسن.

 قال الله تعالى { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)} [الأنعام42: 45].

فأخذهم الله بالبأساء والضراء، وفي أنفسهم في أموالهم في كل شيء وكان الشيطان وراءهم يزين لهم قال الله تعالى: {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 43]

 والرخاء ابتلاء كابتلاء الشدة ، بل هو أشد من الخيرات والأرزاق بلا شكر ولا ذكر، وفسدت القلوب والأخلاق، عندئذ  أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ  {الأنعام 44} وانقطع الرجاء في النجاة،  فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِى الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ، ثُمَّ تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْا أَبْوَابَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}. رواه الامام أحمد بسند صحيح، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكَرْبِ؛ فَلْيُكْثِرْ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ). رواه الترمذي بسند صحيح

وكم له صلى الله عليه وسلم من الدعوات عند الكربات وكلنا يتذكر ما حصل له في الطائف حيث جلس صلى الله عليه وسلم تحت شجرة ورفع رأسه إلى السماء داعيا قائلا: اللَّهُمَّ إلَيْكَ أشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي وقِلَّةَ حِيلَتِي وَهَوانِي على النَّاسِ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ)). رواه عبد الله بن جعفر بسند ضعيف.

وقال الله تعالى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 55، 56]

الدعاء في جوف الله في السر وفي العلن مظهر من مظاهر الافتقار والضعف والإعواز فاهزع إلي الله بالدعاء وادع وأنت موقن بالإجابة واعلم أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاهٍ بل لا بد من اجتماع العقل والقلب على المدعو والله تعالي الله يحب العبد اللحوح فألح علي ربك بالدعاء ولا تقنط من رحمه الله فإن الله يستجيب لك وصدق الله ' ادعوني استجيب لكم' وبالله التوفيق ومنه العون والتسديد وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

             الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

 

الأكثر مشاهدة


أحاديث الإسراء والمعراج كما جاءت في صحيحي البخاري ومسلم

لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

النفاق الاجتماعي وأثره على الفرد والمجتمع

الاشتراك في القائمة البريدية