الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | الأحق بالإمامة وإمامة ولي الأمر

اليوم : الإثنين 28 ذو القعدة 1446 هـ – 26 مايو 2025م
ابحث في الموقع

الأحق بالإمامة وإمامة ولي الأمر


الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

 فيقول الله تعالى: ' يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً '. النساء59

وعن أَبى مسعود قال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ' يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ وَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُمْ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا وَلَا تَؤُمَّنَّ الرَّجُلَ فِي أَهْلِهِ وَلَا فِي سُلْطَانِهِ وَلَا تَجْلِسْ عَلَى تَكْرِمَتِهِ '. رواه مسلم.

وقال صلّى الله عليه وسلم: ' لا يُؤمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه '. رواه أحمد ومسلم.

وعن مالك بن الحويرث قال صلّى الله عليه وسلم: ' من زار قوماً فلا يؤمهم، وليؤمَّهم رجل منهم '. رواه أحمد بسند صحيح.

لقد وضع الفقهاء مجموعة من الاعتبارات لمتولي إمامة الصلاة مع بعض الاختلافات فيما بينهم بناء على ما ورد من أحاديث عن النبي صلّى الله عليه وسلم فقالوا:

الأحق بالإمامة: الأعلم بأحكام الصلاة، والأقرأ لكتاب الله، والأورع، والأكبر سنا، والأحسن خلُقا، والأشرف نسباً، والأنظف ثوباً، والأقدم إسلاماً، ومعلوم النسب يقدم على مجهوله، والأب على الابن، والأقدم هجرة، ويقدم القاضي على إمام المسجد. ومالك المنفعة أولى بالإمامة من الأفقه، والأصح تقديم المكتري على المكري، والمعير على المستعير، والمتزوج أولى من غيره      

ويقدم السلطان أو القاضي على صاحب البيت، وعلى إمام المسجد الراتب.

والسلطان هو الإمام الأعظم, فإذا حضر قدم على جميع الحاضرين, سواء كان غيره أقرأ أو أفقه أو لا, فإن لم يتقدم قدم من شاء ممن يصلح للإمامة, لأن الحق له فاختص بالتقدم, والتقديم مما يدل على أن السلطان أحق من غيره.

وقوله: ' لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ' فيه احترام السلطة، واحترام الحق المعنوي؛ لأن السلطنة أو السلطان أمر معنوي، فيُحترم هذا الحق؛ لأن من حقه في سلطانه أن يأمر وينهى، وأن يكون المقدم على غيره؛ لأن رعيته في سلطنته لا تتقدم عليه، ولا تفتئت عليه في أوامره، ولا في تعليماته، وكذلك إمامة الصلاة ولاية، فلا ينبغي أن يتقدم شخص أجنبي على شخص في سلطانه يؤمه.

ولعلي أنقل بعض أقوال الفقهاء في هذا الموضوع ليتسنى لنا فهمه وإدراك المقصود منه:

1. قال ابن العربي: ولاية الصلاة أصل في نفسها وفرع للإمارة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث أميراً كانت الصلاة إليه، ولكن لما فسدت الولاة ولم يكن فيهم من ترضى حاله للإمامة بقيت الولاية في يده الغلبة، وقدم للصلاة من ترضى حاله، سياسة منهم للناس وإبقاء على أنفسهم، فقد كان بنو أمية حين كانوا يصلون بأنفسهم يتحرج أهل الفضل من الصلاة خلفهم، ويخرجون على الأبواب فتأخذهم سياط الحرس، فيصبرون عليها حتى يفروا عن المسجد.

2. قال أصحاب الشافعي: ويتقدم السلطان أو نائبه على صاحب البيت وإمام المسجد وغيرهما؛ لأن ولايته وسلطنته عامة، قالوا: ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو أفضل.

3. قال القاضي عياض: والصلاة لصاحب السلطة حق من حقه، وإن حضر أفضل منه وأفقه. وقد تقدم الأمراء من عهد النبي ؟ صلى الله عليه وسلم ؟ فمن بعدهم على من تحت أيديهم وفيهم الأفضل.

4. قال الماوردي: وَأَمَّا الْإِمامة في صلاة الجمعة فقد اختلف الفقهاء في وجوب تقليدها، فذهب أَبو حنيفة وأَهل العراق إلى أَنَّها منْ الولايات الواجبات وأَنَّ صلاة الجمعة لَا تصح إلَّا بحضور السلطان أَو من يستنيبه فيها وذهب الشافعي رضي الله عنه وفقهاء الحجاز إلى أَنَّ التقليد فِيها ندب، وأَن حضور السلطان ليس بشرط فيها.

وقال أَبو حنيفة تختص الجمعة بالأَمصار، ولا يجوز إقامتها في القرى واعتبر المصر بأَن يكون فيه سلطان يقيم الحدود وقاضٍ ينفذ. الأحكام السلطانية: الماوردي 1|173

وإِنْ أُقيمت الجمعة في موضعين فِي مصر قد منع أَهله مِنْ تفرِيق الجمعة فيه ففيه قولانِ: أَحدهما أَنَّ الجمعة لِأَسبقهما بإِقامتها وعلى المسبوق أَنْ يعيد الصلاة ظهرًا.

والقول الثاني: أَنَّ الجمعة للمسجد الأَعظم الذي يحضره السلطان سابقًا كان أَوْ مسبوقًا، وعلى مَنْ صلوا في الْأَصغر إعادة صلاتهم ظهرًا. الأحكام السلطانية: الماوردي 1|173

5. قال ابن قدامة في الكافي: فإن أذن صاحب البيت لرجل فهو بمنزلته، فإن اجتمع السلطان وصاحب البيت فالسلطان أولى؛ لأن ولايته على البيت وصاحبه، وإن اجتمع السلطان وخليفته فالسلطان أولى؛ لأن ولايته أعمَّ.  تحفة الأحوذي.

6. قال الشوكاني: والظاهر أن المراد به السلطان الذي إليه ولاية أمور الناس، لا صاحب البيت ونحوه. ويدل على ذلك ما في رواية أبي داود بلفظ: ' ولا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه '. وظاهره أن السلطان مقدم على غيره وإن كان أكثر منه قرآناً وفقهاً وورعاً وفضلاً، فيكون كالمخصص للحديث الذي يعطي الأولوية لصاحب البيت، وأنه محمول على من عدا الإمام الأعظم.

ومما يؤكد ما قلت أن الولاة كانوا هم الذين يتولون الصلاة في الجُمع والجماعات، وكذلك في الأعياد كانوا يؤمون الناس، والأمراء كانوا يتقدمون الناس ويصلون بهم، وقد جاء في الأحاديث ما يتعلق بالصلاة وراء الأمراء، فالوالي هو المقدم على غيره وهو الأحق.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ' أمّ عتبان بن مالك وأنساً في بيوتهما ' ولأن له ولاية عامة.

وكان ابن عمر يصلي خلف الحجاج لأَنَّ الجماعة شرعت لِاجتماع المؤمنين على الطاعة وتآلفهم وتوادهم، فإِذا أَم الرجل الرجل في سلطانه أَفضى ذلك إِلى توهين أَمر السلطنة وخلع رِبقة الطاعة، وكذلك إِذا أَمه فِي قومه وأَهله أَدَّى ذلك إِلَى التباغض والتقاطع وظهور الخلاف الذي شرع لدفعه الِاجتماع، فلَا يتقدم رجل على ذي السلطنة لا سيما فِي الأَعياد والجماعة، ولَا على إِمام الحي ورب البيت إِلَّا بالْإِذن

وقد بوب البخاري في صحيحه: باب إِذا زار الإِمام قومًا فأَمهم، ذكر فيه حديث عتبان بن مالك قَد اِسْتَأْذَنَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنْت لَهُ فَقَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّي مِنْ بَيْتِك فَأَشَرْت إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ فَقَامَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا '. رواه ابن ماجه بسند صحيح.

قال الحافظ في الفتح قيل أَشار بهذه الترجمة إِلى أَنَّ حديث مالك بن الحويرِث: ' مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَا يَؤُمَّهُمْ وَلْيَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ '. محمول على منْ عدا الإِمام الأَعظم.

وخلاصة الأمر أن طاعة ولي الأمر واجبة وهو الذي يعين الأئمة والخطباء فهو أولى بالإمامة منهم ومن كانت طاعته واجبة وجب على الرعية أن تبادر إلى الصلاة خلفه وذلك رضيناه لأمر الدنيا فنرضاه لأمر الآخرة وفخر للمسلم أن يصلي خلف إمامه كما كان الصحابة يصلون خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا الصحابة والتابعون كانوا يصلون خلف أئمتهم وذلك دليل على رضا الأمة عن الخليفة.

وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وكل عام وأنتم بخير وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بعض المراجع

نيل الأوطار: 159/3 . الدر المختار: 520/1 - 522، فتح القدير: 245/1-248، البدائع:157/1 بداية المجتهد: 139/1، القوانين الفقهية: ص 68، الشرح الكبير: 342/1-345. تحفة الأحوذي 1|268 شرح سنن أبي داود ـ عبد المحسن العباد 4|33 الكتاب مع اللباب: 81/1 ، ومابعدها. الشرح الصغير: 454/1-457، المهذب: 98/1-99، مغني المحتاج: 242/1-244، المغني: 181/2 - 185، كشاف القناع: 554/1 - 556. فتح الباري: ابن رجب 4|138

     الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


أحاديث الإسراء والمعراج كما جاءت في صحيحي البخاري ومسلم

لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

النفاق الاجتماعي وأثره على الفرد والمجتمع

الاشتراك في القائمة البريدية