الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | حكم تشبيك الأصابع وفرقعتها

اليوم : السبت 9 محرَّم 1447 هـ – 05 يوليو 2025م
ابحث في الموقع

حكم تشبيك الأصابع وفرقعتها

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فالتشبيك بين اليدين هو إدخال الأصابع بعضها في بعض، والاشتباك بهما، قال الخطابي رحمه الله: 'تشبيك اليد هو إدخال الأصابع بعضها في بعض، والاشتباك بهما، وقد يفعله بعض الناس عبثاً، وبعضهم ليفرقع أصابعه عندما يجده من التمدد فيها، وربما قعد الإنسان فشبك بين أصابعه واحتبى بيديه، يريد به الاستراحة، وربما استجلب به النوم، فيكون ذلك سبباً لانتقاض طهره، فقيل لمن تطهر وخرج متوجهاً إلى الصلاة: لا تشبك بين أصابعك؛ لأن جميع ما ذكرناه من هذه الوجوه على اختلافها لا يلائم شيءٌ منها الصلاة ولا يشاكل حال المصلي ' انتهى من 'معالم السنن' (1/295).

وهو مكروه فعله فعن أَبي ثُمَامَةَ الْحَنَّاطُ، أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، أَدْرَكَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الْمَسْجِدَ أَدْرَكَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، قَالَ: فَوَجَدَنِي وَأَنَا مُشَبِّكٌ بِيَدَيَّ، فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكَنَّ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ» رواه أبو داود بسند صحيح.

وجه الدلالة: يدل الحديث على كراهة تشبيك الأصابع عند الخروج إلى المسجد للصلاة؛ لأن الخارج إلى الصلاة في حكم المصلي.

ووردت أحاديث تدل على الجواز كحديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ذي اليدين (فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّه غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ....) متفق عليه.

وجه الدلالة: شبك بين يديه صلى الله عليه وسلم من أثر الغضب أو لأن الصلاة انتهت فهو في حكم المنصرف منها لأن علَّة النهي عن تشبيك الأصابِعِ في المسجد هي العَبَثَ على الراجح.

ولا كراهة في التشبيك إذا كان بقصد التمثيل والتعليم فعن جابرٍ رضي الله عنه أنه قال: 'فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى، وَقَالَ: «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ» مَرَّتَيْنِ'. رواه مسلم.

وعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ. رواه البخاري.

قال ابنُ حجرٍ: «ويستفاد منه أنَّ الذي يريد المبالَغةَ في بيانِ أقواله يُمثِّلها بحركاته ليكون أَوْقَعَ في نَفْسِ السامع». فتح الباري لابن حجر (١٠/ ٤٥٠).

ويمكن القول إن النَّهْيَ مُقَيَّد بِمَا إِذَا كَانَ فِي الصَّلاةِ أَوْ قَاصِدًا لَهَا، كما قال الحافظ ابن حجر: 'وَجَمَعَ الإِسْمَاعِيلِيّ بِأَنَّ النَّهْيَ مُقَيَّد بِمَا إِذَا كَانَ فِي الصَّلاةِ أَوْ قَاصِدًا لَهَا، إِذْ مُنْتَظِر الصَّلاةِ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي. ثم قال الحافظ: وَالرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا النَّهْي عَنْ ذَلِكَ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ ضَعِيفَة كَمَا قَدَّمْنَا 'انتهى. فتح الباري: ابن حجر' (1/565) .

وفرقعة الأصابع في المسجد مكروهة أيضا.

فبعض المصلين يعبث بأصابعه ويفرقعهما، وهذا عبث ودليل على عدم الخشوع فعَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّيْت إلَى جَنْبِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفَقَعْت أَصَابِعِي، فَلَمَّا قَضَيْت الصَّلاَة، قَالَ: لاَ أُمَّ لَكَ أَتَفْقَع أَصَابِعَك وَأَنْتَ فِي الصَّلاَة. رواه ابن أبي شيبة بسند حسن.

والخلاصة: أن تشبيك الأصابع مكروه لمن دخل المسجد للصلاة ولمن خرج إلى الصلاة، حتى يفرغ منها، اما من دخل المسجد في غير وقت الصلاة فلا يكره له ذلك

والأفضل أن لا يكون هناك تشبيك ولا فرقعة لا في المسجد ولا في غيره. والله أعلى وأعلم.

    الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


أحاديث الإسراء والمعراج كما جاءت في صحيحي البخاري ومسلم

لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

النفاق الاجتماعي وأثره على الفرد والمجتمع

الاشتراك في القائمة البريدية