الحمد لله وكفى وسلام على عباده
الذين اصطفى أما بعد،
فستر العورة عموماً واجب على كل واحد إلا الزوجين، فيجوز للزوج أن يَطَّلِع على عورة الزوجة حتى المغلظة منها، ويجوز للزوجة أن تطلع على عورة الزوج، وهذا ما ذهب إليه جماهير الفقهاء واستدلوا بأدلة منها:
1- قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} [المؤمنون: 5 - 7]
وجه الدلالة: إذا جاز الجماع بين الزوجين وهو أعظم من النظر فجواز النظر من باب أولى.
2- قال الله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187].
وجه الدلالة: معنى الآية أن المرأة لباس للرجل، والرجل لباس للمرأة.
واللبس هو الاجتماع في ثوب واحد وانضمام جسد كل واحد منهما لصاحبه بمنزلة ما يلبسه على جسده من ثيابه، فقيل لكل واحد منهما هو لباس لصاحبه.
3- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَاحِدٍ، فَيُبَادِرُنِي حَتَّى أَقُولَ دَعْ لِي، دَعْ لِي، قَالَتْ: وَهُمَا جُنُبَانِ. رواه مسلم.
وجه الدلالة: غسل عائشة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز.
4- عقد النكاح يُحِلُّ كلَ ما حرمه الله من جماع ومقدماته ومن نظر ولمس وخلوة، وغيره ذلك من مباحات إلا ما نص على حرمته كإتيان الزوجة في الدبر، أو كان مخالفا للمروءة.
ويرى بعض الفقهاء حرمة نظر الزوجين بعضهما إلى عورة بعض واستدلوا بأحاديث لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم منها:
1- حديث (إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر إلى فرجها، فإنَّ ذلك يورث العمى) وهذا حديث موضوع، انظر 'الفوائد المجموعة' (ص127) و'السلسلة الضعيفة' (1/351)
2- عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ، فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ) وهذا حديث ضعيف ' السلسلة الضعيفة ' (رقم/2300)
3- عن عتبة بن عبد السليمي، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجردا تجرد العَيرَين) رواه ابن ماجه بسند ضعيف.
4- عن امرأةٍ مجهولةٍ عن أم المؤمنين ' ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط'، المحلى: ابن حزم(9/165).
والراجح ما ذهب إليه الجمهور من جواز نظر الرجل إلى عورة زوجته والعكس.
أما ما عدا الزوجين فلا يجوز للرجل أن يطلع على عورة الرجل وكذلك المرأة، فعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَدَعُ؟ قَالَ: (احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ).
قُلْتُ: الرَّجُلُ يَكُونُ فِي الْقَوْمِ فَيَكُونُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟، قَالَ: «إِذَا اسْتَطَعْتَ أَنْ
لا تُرِيَ أَحَدًا عَوْرَتَكَ فَافْعَلْ». قُلْتُ: إِنْ كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَى مِنْهُ '. وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى عَوْرَتِهِ. رواه أبو داود بسند صحيح.
وجه الدلالة: لا يجوز نظر أحد لعورة أحد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الشيخ عبد الباري بن محمد خلة