الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | العيد: آداب وأحكام الجزء الأول

اليوم : الإثنين 28 ذو القعدة 1446 هـ – 26 مايو 2025م
ابحث في الموقع

العيد: آداب وأحكام الجزء الأول


إن الْحَمْد ِللهِ نحمده، ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بالله مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومن سيئات أعمالنا مَنْ يَهْدِه اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وحده لا شريك له وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ' يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ' آل عمران 102، يَا أَيُّهَا الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ' النساء 1  ' يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ' . الأحزاب 70_71

أما بعد، فَإِن أصدق الحَدِيث كتاب الله، وَخير الْهَدْي هدي مُحَمَّد، وَشر الْأُمُور محدثاتها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ وكلَّ بدعةٍ ضَلالَةٌ وكلَّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ.
والعيد اسم لكل ما يُعتاد ويعود وتكرر، وهو شعار كل الأمم باختلاف عقائدها وأفكارها، فإن إقامة الأعياد فطرة فطر الإنسان فالكل يحب أن تكون له مناسبات لإظهار الفرح والسرور فيها.
وأعياد الكفار ترتبط بأمور دنيوية كبداية السنة أو قيام دولة أو ما شابه.

وربما ارتبطت ببعض المناسبات الدينية, كأعياد اليهود والنصارى, فمن أعياد اليهود: يوم نزول التوراة, ويوم نجاتهم من التيه, ومن أعياد النصارى مثلا: عيد رأس السنة الكريسمس, ومن أعياد المجوس عيد النيروز.
ومن أعياد الباطنية: عيد الغدير, الذي يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع فيه عليا رضي الله عنه, والأئمة الاثني عشر بالخلافة.
أعياد المسلمين:

عن عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، وَعِنْدَي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ، تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْن فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَاميرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَذلِكَ فِي يَوْمِ عيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ' يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عيدًا وَهذَا عيدُنَا '. أخرجه البخاري

وليس للمسلمين سوى عيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى, فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا ' فَقَالَ مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ قَالُوا كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ '. رواه أَبُو دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
وهذان العيدان من شعائر الله.
أحكام العيد
1. يحرم على المسمين صوم يومي العيد فعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ . ' رواه مسلم.
2. صلاة العيد:

وقد اختلف الفقهاء في حكمها على قولين:

القول الأول: ذهب الحنفية وابن تيمية رحمه الله إلى أنها واجبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليها، ولم يتركها ولا مرة واحدة، ولقول الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ }الكوثر2, أي صل صلاة العيد, والنحر بعده, أي الأضحية, وهو أمر يقتضي الوجوب.

وقد واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم, وأمر بإخراج النساء لها.

القول الثاني: ذهب المالكية والشافعية إلى أن صلاة العيد سنة مؤكدة؛ لحديث الأعرابي.
وهنا أقول ينبغي على المسلم أن يحرص عليها؛ ليشهد الخير والأجر العظيم.

كيفية صلاة العيد
عَنْ عُمَرَ قَالَ: صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ وَالْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ وَالْعِيدُ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه ابن ماجه بسند صحيح

وعن أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدأُ بِهِ الصَّلاَةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ، فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُريدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا، قَطَعَهُ؛ أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ، أَمَرَ بِهِ؛ ثُمَّ يَنْصَرِف قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى ذلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ، وَهُوَ أَميرُ الْمَديِنةِ، فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ، فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثيرُ بْنُ الصَّلْتِ، فَإِذَا مَرْوَانُ يُريدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ، فَجَبَذَنِي، فَارْتَفَعَ فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلاَةِ؛ فَقُلْتُ لَهُ: غَيَّرْتُمْ وَاللهِ فَقَالَ: أَبَا سَعِيدٍ قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ؛ فَقُلْتُ: مَا أَعْلَمُ، وَاللهِ خَيْرٌ مِمَّا لاَ أَعْلَمُ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ. أخرجه البخاري.

 فصلاة العيد ركعتان, يكبر في الركعة الأولى سبعا, وفي الأخيرة خمسا, ثم يقرأ بعدهما بسورة الفاتحة, وسورة أخرى, فعن عائشة رضي الله عنها: التكبير في الفطر والأضحى الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرات الركوع. رواه أبو داود وهو صحيح بمجموع طرقه.
ولو أدرك المأموم إمامه في التكبيرات الزوائد, فإنه يكبر مع الإمام, ويتابعه, ولا يلزمه قضاء التكبيرات الزوائد.

ويُقال بين التكبيرات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر, فعن حماد بن سلمة عن إبراهيم أن الوليد بن عقبة دخل المسجد وابن مسعود وحذيفة وأبو موسى في المسجد فقال الوليد: إن العيد قد حضر فكيف أصنع ، فقال ابن مسعود : يقول الله أكبر ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو الله ، ثم يكبر ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم .. الخ رواه الطبراني ، وهو حديث صحيح.
القراءة في صلاة العيد:
من السنة أن يقرأ الإمام في صلاة العيد بـسورة: ق, أو الأعلى في الركعة الأولى, وبسورة: القمر, أو الغاشية في الركعة الثانية, فعن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأَضْحَى وَالْفِطْرِ فَقَالَ كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ وَاقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ . ' رواه مسلم.
وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ . ' رواه مسلم.
وعن سمرة رضي الله عنه : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين ( سبح اسم ربك الأعلى ) و(هل أتاك حديث الغاشية ) رواه أحمد بسند صحيح.

ومن أحكام العيد أن تكون الصلاة قبل الخطبة, فعن ابْنِ عَبَّاسٍ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ فِي الْعِيدِ ثُمَّ خَطَبَ .' رواه الشيخان.

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْعِيدَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ قَالَ « إِنَّا نَخْطُبُ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا مُرْسَلٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-. وصححه الألباني.

ومن السنة أن لا يؤخر الصلاة كثيرا, فقد خرج عبد الله بن بُشر، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس في يوم الفطر, عيد الفطر, أو أضحى, فأنكر إبطاء الإمام، وقال انا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين التسبيح . رواه البخاري معلقا مجزوما به
ومن السنة أن لا يصلي نوافل في المصلى, فعن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: ' أَنه خرج يَوْم الْفطر فَصَلى رَكْعَتَيْنِ ، لم يصل قبلهمَا وَلَا بعدهمَا (وَمَعَهُ بِلَال). رواه البُخَارِيّ.
أما إن صلى العيد في المسجد: فيستحب له أن يصلي تحية المسجد.
وإذا لم يعلم الناس بالعيد إلا في اليوم التالي, فيستحب لهم أن يصلوا العيد؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم, فعن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قالوا: غُمّ علينا هلال شوال فأصبحنا صياماً، فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمر الناس أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد. رواه الخمسة بسند صحيح.
ويجوز لمن فاتته الصلاة أن يقضيها؛ لأنها سنة تقضى.
2. شهود النساء صلاة العيد

فيستحب للنساء أن يحضرن العيد, كما كن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم, فعَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الْعِيدَيْنِ فَقَدِمَتْ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ فَحَدَّثَتْ عَنْ أُخْتِهَا وَكَانَ زَوْجُ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ غَزْوَةً وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتٍّ قَالَتْ كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى فَسَأَلَتْ أُخْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لا تَخْرُجَ قَالَ لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا وَلْتَشْهَد الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ سَأَلْتُهَا أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ بِأَبِي نَعَمْ وَكَانَتْ لا تَذْكُرُهُ إِلا قَالَتْ بِأَبِي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَخْرُجُ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ أَوْ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ وَالْحُيَّضُ وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى . رواه البخاري.

والعواتق جمع عاتق وهي من بلغت الحلم أو قاربته, أو استحقت التزويج, وكأنهم كانوا يمنعون العواتق من الخروج.
وذوات الخدور بضم الخاء جمع خدر بكسرها, وهو ستر يكون في ناحية البيت تقعد البكر وراءه.

    الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

الأكثر مشاهدة


أحاديث الإسراء والمعراج كما جاءت في صحيحي البخاري ومسلم

لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

النفاق الاجتماعي وأثره على الفرد والمجتمع

الاشتراك في القائمة البريدية